مشاركة
126 الأخيرة منذ 5 أشهر صحيفة كرري

الجيش السوداني: مسيرة خالدة رغم التحديات

بقلم : عقيد د. ركن أحمد يوسف النور

في الرابع عشر من أغسطس من كل عام ، يحتفل الجيش السوداني بالذكرى السنوية لسودنته وهو اليوم الذى استلم فيه الفريق أحمد محمد مهام قيادة قوة دفاع السودان من البريطاني  الجنرال اسكونز. هذه المناسبة ليست مجرد ذكرى سنوية ، بل هي شهادة حية على مسيرة طويلة مليئة بالبطولات، والتضحيات و التحديات . فقد شهدت  البلاد خلال هذه الفترة العديد من التحولات السياسية والاجتماعية ، لكن ظلت القوات المسلحة السودانية  على العهد دوماً رمزاً للوحدة الوطنية  و القومية و الحارس الأمين لسيادة البلاد.

عيد في ظروف استثنائية

تأتى ذكرى  عيد الجيش هذا العام وقواتنا المسلحة تخوض معركة الكرامة ، تصد عدوان مليشيا الدعم السريع الغاشمة الغازية ، التي أذّلت  الشعب  السوداني و أذاقته الأمرّين هذه المليشيا التي استباحت الأنفس و الارواح ،و عاثت في  الأرض فساداً. إلا أنها انكسرت و تمرّغت أنفها بالتراب فالسودان عصّى على كل عدو غاشم بحول الله تعالى و حفظه ورعايته و عزيمة و شكيمة رجال القوات المسلحة الذين نذروا أرواحهم لله و الوطن و بالتفاف كافة الشعب السودانى على اختلاف ألوان طيفه حول جيشه العظيم.

مسيرة خالدة

منذ تأسيس قوة دفاع السودان في عام 1925 التي تشكلت تحت قيادة بريطانية لمساعدة الشرطة في بسط الأمن و الحفاظ على حدود السودان تحت الإدارة البريطانية و منذ ذلك الحين لعب الجيش السوداني أدواراً محورية في تاريخ البلاد حيث تولت تلك القوة المنشأة حديثاً مهمة القيام بمكافحة المهددات الداخلية و الأمن الداخلى كمعين لقوات الشرطة علاوة على دورها  المهم في  حماية  البلاد ضد المهددات الخارجية ، و استمر عطاء هذه القوات حتى السودنة في عام 1954م . تميزت هذه الفترة بالتحديات الكبيرة ، حيث كان على الجيش أن يثبت قدرته على حماية البلاد وضمان استقرارها في وقت كانت فيه  العديد من الدول الأفريقية تعاني من موجات الاستقلال والتحرر.

مهر الاستقلال

لا نبخس ما قدمه السياسيون في نهاية  الثلاثينات من القرن الماضي و نضالهم من أجل  الاستقلال إلا أن مشاركة قوة دفاع السودان في الحرب العالمية  الثانية كان هو المهر الحقيقى و الغالى  الذى دفعته البلاد من أجل التحرر من ربقة  الاستعمار .فعندما كان العالم يتهيأ للحرب العالمية  الثانية صدر ميثاق  الأطلنطى الذى تم توقيعه بين رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل و الرئيس الأمريكى فرانكلين روزفلت ، نص على منح الدول  المستَعمرة استقلالها إذا دخلت الحرب بجانب الحلفاء وقاتلت معها ضد دول  المحور ، بناء عليه دخلت قوة دفاع السودان الحرب وقاتلت بجانب الحلفاء في محورين ، محور شمال تحت قيادة الفيلد مارشال مونتقمرى و محور شرق أفريقيا تحت قيادة الميجر جنرال بلات و كانت إسهاماتها بارزة في صد هجوم دول المحور  ومنعها من التوغل في إفريقيا مما أهّلها لنيل نيشان فكتوريا و هو أرفع نيشان تم منحه آنذاك لقوات المستعمرات التى شاركت في الحرب العالمية الثانية  بجانب الحلفاء .

مشاركات خارجية

للجيش السودانى تجارب ثرة في المشاركات الخارجية منذ أمد بعيد فقد شاركت وحدات سودانية ضمن الجيش المصري في حروب محمد علي باشا، والي مصر في سنتي 1854 و1856. كما استقدمت السلطنة العثمانية نفسها وحدات من المقاتلين السودانيين للمشاركة معها في حرب القرم إلى جانب القوات التركية ضد الإمبراطورية الروسية، بين عامي 1853 و1856. من المشاركات المهمة للجيش السودانى كانت في المكسيك سنة 1862، عندما طلبت كل من فرنسا وإنجلترا وإسبانيا إرسال فرقة من السودانيين لحماية رعاياها ضد العصابات المكسيكية و هذه هي المشاركة الأولى أما الثانية فقد كانت إبّان فترة الاحتلال البريطاني . في  الحرب العالمية الأولى فقد أرسلت سلطة الاستعمار البريطاني فرقتين من الجنود السودانيين إلى جيبوتي بناء على طلب من فرنسا لتحل محل الجنود السنغاليين هناك.

أما في الحرب العالمية الثانية فقد شاركت قوة دفاع السودان في حملة الصحراء الغربية لدعم الفرنسيين حيث رابطت في واحتي الكفرة وجالو في الصحراء الليبية بقيادة القائد البريطاني أرشيبالد ويفل، وفي العلمين لوقف تقدم الجنرال الألماني رومل الملقب بثعلب الصحراء. و أثناء الحرب العالمية الثانية أيضا ،  شاركت قوات الدفاع السودانية في عمليات خارجية وداخلية ضد الإيطاليين الذين كانوا يحتلون إريتريا، وذلك عندما حاولوا احتلال مدينة كسلا في شرق البلاد، وهو ذلك الانتصار الذي جعل تشرشل يعدل عن الاستسلام للألمان كما ظهر لاحقا.

القوات المسلحة السودانية لها مشاركات عديدة في عمليات حفظ السلام الدولية كمشاركتها ضمن قوات الردع العربية في لبنان أواسط سبعينيات القرن الماضي لحفظ السلام تحت لواء جامعة الدول العربية. و مشاركتها في حرب فلسطين عام 1948 بالإضافة إلى مشاركتها ضمن مساعي حفظ السلام والاستقرار كما في "الكونغو البلجيكية" عام 1960 وتشاد عام 1979 وناميبيا في 1989. كما شاركت في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، عندما أرسلت الحكومة السودانية قوة قوامها لواء مشاة إلى شبه جزيرة سيناء.

و في القريب كان للقوات السودانية الأثر البارز فى إعادة الحكومة المدنية الشرعية في جمهورية جزر القمر، حيث أسهمت قوات المظليين السودانية في استعادة جزيرة أنجوان وتسليمها لحكومة جزر القمر عام 2008. كما كانت القوات السودانية شريكا أساسيا في عاصفة الحزم باليمن  إلى جانب قوات التحالف . كل هذه المشاركات أكسبتها تجارب  وخبرات ظلت ملازمة لها في مسيرتها و هي  تودى واجبها بمهنية  و كفاءة  و اقتدار .

القوات المسلحة السودانية وعبر مسيرتها القاصدة ، لم تكن بمعزل  عن هموم الوطن وقضاياه ، كيف  لا وهي  التي  آلت علي  نفسها علي ألا يُمس تراب  هذا الوطن ، وأخذت العهد علي أن تحمي  ترابه وتصون مقدساته . كما أنها  لعبت دوراً بارزاً في مسيرة الحركة الوطنية منذ  نشأتها  وإلي تاريخنا المعاصر . خير  شاهد على  ذلك وقوفها سداً منيعاً ضد كل حركات اتمرد المسلحة  و حالت دونها و أهدافها.

و تمضى المسيرة الخالدة

تمضى المسيرة الخالدة وقواتنا المسلحة لازالت على  العهد فقد آلت على نفسها جيلاً بعد جيل أن تكون جيشاً للشعب السودانى و سنداً له ، وصمام الأمان ، قدّمت  المهج و الأرواح في سبيل حماية  الأرض و العرض  و  المقدسات وما زالت تقدم كل  غالٍ و نفيس من أجل تراب هذا  الوطن ، فمنهم من قضى  نحبه وهو على  العهد ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً.

التحية للرعيل الأول الذين أرسوا دعائم هذا الصرح الخالد و الأجيال المتعاقبة التي تولت زمام القيادة من بعدهم . و  التحية  لأبطال القوات  المسلحة في كل شبر  من تراب هذا الوطن العزيز و  التحية  للشعب  السودانى الذي ما فتىء يلتف حول جيشه  و يسنده و الله أكبر و العزة للسودان.