في ساحة الحرب لا يُقاس النصر فقط بعدد القتلى من العدو ولا بعدد الأمتار المحرّرة على الأرض بل بقدرتنا على صيانة ذلك النصر من عوامل التآكل والارتداد. فكثير من الجيوش رفعت راية الظفر، لكنها سرعان ما انتكست تحت أنقاض الغفلة أو الصراع الداخلي أو التراخي. أولاً: ملامح الهزيمة بعد النصر
1. الغرور العسكري والاطمئنان الزائف
- عندما يتحول النصر إلى غشاوة على العيون، يظن القادة أن العدو قد انتهى، في حين أن فلوله تذوب في المدن والقرى كالنار تحت الرماد.
2. تفكك وحدة الصف بعد زوال العدو الظاهر
- يتوحد الناس ضد خطر داهم، لكن بعد زواله تبدأ الصراعات على الغنائم، وتتناحر الأطياف التي جمعتها المعركة، مما يمهّد لهزيمة داخلية لا يُبقي بعدها النصر إلا ذكرى.
3.فشل تحويل النصر العسكري إلى مكاسب سياسية واقتصادية
- النصر لا يصمد إن لم يتحوّل إلى مؤسسات قوية ، وإعادة بناء اجتماعي واقتصادي، وتضميد للجراح. إن لم تُتبع الرصاصة بالقلم، خسرنا ما ربحناه في الخندق.
4.عودة التمرد بوجه جديد
- التمرد لا يموت، بل يتخفى. إن لم تُجفف منابعه الفكرية، ومصادر تمويله، وملاذاته الجغرافية، فإنه سيعود بلباس آخر.
5.استسهال الأمن وتراخي الاستخبارات
- بعد النصر، ينصرف الانتباه من العدو الخفي إلى الحياة العادية، ويُهمل العمل الاستخباري، فيُفاجأ الناس بخناجر الغدر من الخلف.
ثانياً: طرق الوقاية من الهزيمة بعد النصر
- 1.ترسيخ مفهوم “النصر المؤجل” - النصر الحقيقي لا يُقاس بيوم التحرير، بل باليوم الذي تُبنى فيه الدولة على أنقاض التمرد، دون أن تعود إليه الروح.
2.استدامة الجاهزية العسكرية والأمنية
- يجب أن يبقى السلاح في حالة تأهب، وأن يُعاد انتشار القوات بشكل استراتيجي يمنع إعادة التمركز المعادي، مع استمرار التدريب والاستطلاع والمراقبة.
3. تعزيز الدور الاستخباري في مرحلة ما بعد الحرب
- ينبغي أن يكون الاستخبار في طليعة البناء الوطني، ليس فقط لردع التهديدات، بل لرصد كل نبض اجتماعي أو سياسي قد يؤدي إلى خلخلة استقرار ما بعد النصر.
4.الحوار الوطني واحتواء التباينات - لا نريد سلاماً فوق رماد الحقد، بل سلاماً تُبنى فيه جسور بين الأفراد والمجتمعات، ويُعاد دمج المغرر بهم في نسيج الوطن.
5.الحكم الرشيد وإعادة الإعمار
- الشعب الذي ذاق ويلات الحرب لا يريد شعارات، بل خدمات، وعدالة، وكرامة. فإن جفّت موارد الدولة أو انتشر الفساد، ستعود قوى الفوضى بمبررات جديدة.
6. تجريم التمرد بكل أشكاله
- يجب أن يكون هناك خطاب وطني صارم يجرّم التمرد كمبدأ، لا فقط كحدث، ويُدرس للأجيال أن السلاح خارج الشرعية جريمة لا بطولة.
ثالثاً: كيف نحافظ على النصر؟ • بتوثيقه في ذاكرة الأمة:
عبر المناهج، الإعلام، الفن، والكتب – ليبقى النصر حياً في القلوب لا في الأرشيف.
• بتحويل روح المعركة إلى مشروع وطني: فالنصر ليس نهاية، بل بداية لنهضة شاملة.
• بالحفاظ على وحدة القوات المسلحة وتماسكها العقائدي والأخلاقي:
لأنها الضامن الأول والأخير لأي نصر