لم تكن الجرائم التى ارتكبتها المليشيا المتمردة منذ اندلاع الحرب الأخيرة معزولة عن تاريخها الطويل فى دارفور مطلع الألفية. فما يجري اليوم من قتل وتهجير ونهب ليس سوى تكرار لذات الأساليب التى وثقتها تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية قبل عقدين. في دارفور وحدها، أشارت تقارير المفوضية السامية لحقوق الإنسان إلى أن مئات الآلاف لقوا حتفهم على يد المليشيا خلال موجات العنف بين عامى 2003 و2008، فيما اضطر أكثر من 2.5 مليون شخص إلى النزوح القسرى. وقد ارتكزت الجرائم على ثلاثة محاور رئيسية: القتل الممنهج على أسس عرقية وإثنية. حرق القرى وتهجير الأهالي، وهو ما أدى إلى نشوء معسكرات النزوح.النهب والسيطرة على الأراضي بما أحدث تغييراً ديمغرافياً واسع النطاق. واليوم، وبعد مرور أكثر من عشرين عاماً، تعود الوحشية ذاتها ولكن بوجه أشد قسوة. ففي مدينة الفاشر – التي كانت وما زالت رمزًا لصمود دارفور – شهد العالم واحدة من أبشع الجرائم حين قُتل 75 مصلّياً بدم بارد داخل مسجد حى الدرجة أثناء صلاة الفجر، فى انتهاك صارخ لكل الشرائع السماوية و الأعراف و القوانين الدولية.ولم تقتصر الفظائع على الفاشر وحدها، بل سبقتها مدناً وقرى عديدة: الخرطوم، مشانق امدرمان القديمة، الصالحة، آبار التعذيب فى شرق النيل و شمال بحرى ، مجازر ود النورة، السريحة، الهلالية و الدندر وغيرها، حيث شهدت تلك المناطق حوادث قتل جماعي واغتصاب ونهب ممتلكات على نطاق واسع. أما فى الجنينة، فالعالم كله شاهد على ما وثقته المليشيا بأيديها عن أبشع صور الانتهاكات، و دفن المواطنين العُزل أحياء، و فى مناطق أخرى تكررت المشاهد ذاتها من سفك دماء وترويع وتدمير ممنهج، حتى غدت كل بقعة وطأتها أقدام هذه المليشيا شاهداً على وحشيتها وبربريتها واستخفافها المطلق بحرمة الدماء وسط سمع و بصر العالم أجمع .ورغم وضوح الأدلة، بما فى ذلك مقاطع الفيديو التى يوثق فيها الجناة جرائمهم أمام الكاميرات دون خشية من عقوبة أو حياء، ما يزال المجتمع الدولي صامتاً عن اتخاذ موقف حاسم تجاه هذه الفظائع، هذا الصمت، الذي وصفته منظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية بالمقلق، لا يمكن تفسيره سوى باعتباره تشجيعاً ضمنياً للمليشيا على الاستمرار فى فظائعها، فالاكتفاء بالادانات الخجولة وحدها دون اتخاذ إجراء عملى لهو إقرار ضمنى و ترحيب بهذه الأعمال التى لا ترضاها الإنسانية ولو فى قمة همجيتها. إن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم على كل من له ضمير حي: إلى متى يظل المجتمع الدولى فى صمته المريب؟ وإلى متى يظل مناصرو المليشيا يدافعون عن جرائمها ويبررون وحشيتها؟ إن الدم السودانى ليس رخيصاً، وحقوق شعبنه لا تُباع ولا تُشترى. السكوت على هذه الجرائم هو خيانة للإنسانية قبل أن يكون خيانة للقانون الانسانى ، ومن يطالب بالتعايش مع القتلة فإنه يفتح الباب لمجازر جديدة أشد هولاً و فظاعة. واجبنا اليوم لقد آن الأوان أن يرتفع الصوت عالياً: كشف جرائم المليشيا مسؤولية وطنية، وفضح المجرمين واجب على الإعلام والكتاب والناشطين، والضغط على المجتمع الدولى ليتحرك لم يعد خياراً بل ضرورة.يجب أن يعرف العالم أن الصمت لا يحمى أحداً ، وأن العدالة لن تتحقق إلا بالاقتصاص للمجنى عليهم بمعاقبة الجناة . نداء للضمير الإنسانى والعالمى - إلى كل من يملك قلباً ينبض العدالة. - إلى كل منظمة حقوقية أو هيئة دولية. - وإلى كل صوت حرّ: لا يمكنكم أن تظلوا متفرجين أمام هذه الوحشية، فالتاريخ سيحاسب الصامتين والمقصرين بقدر ما سيحاسب الجناة، و من أفلت من حساب الأرض فإنه لن يستطيع أن يفلت من حساب السماء. - لقد حان الوقت للتحرك، حان الوقت لإنهاء هذه الفظائع، وحان الوقت لإعلان أن الإنسانية لا تتجزأ وأن الدماء البريئة يجب أن تُحمى