مشاركة
12 دراسات منذ شهر صحيفة كرري

الإعلام العسكري في الميزان (12) دور الإعلام الرسمي في دعم المؤسسة العسكرية ( 2-2 )

بقلم : مقدم مهندس إبراهيم عبد الواحد محمد

 تعتبر الهيئة القومية للاذاعة و التلفزيون و وكالة السودان للأنباء (سونا) من أبرز المؤسسات الإعلامية في السودان ، حيث كان من المفترض أن تلعب دوراً هاما في توجيه الرأي العام و نقل الأحداث والتقارير الإخبارية .

كمؤسسات إعلامية رسمية ، تسعى الهيئة والوكالة إلى دعم القوات المسلحة في حربها ضد مليشيا الدعم السريع المتمردة من خلال محاولتهما تقديم تغطية إعلامية فعالة ونشر الرسائل التي تحث على دعم القوات المسلحة وتعزز الوحدة الوطنية في وجه التمرد و الجهات الداعمة له .

 

دور الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون

 

كما ذكرنا في المقال السابق ، شكل الإعلام الرسمي للدولة غياباً ملحوظاً عن الساحة، وهو الدور الذي كان من المفترض أن تقوم به الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون . وقد ساهم احتلال مبنى الإذاعة والتلفزيون من قِبل مليشيا آل دقلو الإرهابية و فقدان المكتبة الخاصة بالهيئة بشكل كبير في هذا الغياب . لكن ما يُؤخذ على الهيئة هو غياب خطة طوارئ تُمكنها من مواصلة البث من مواقع بديلة و الاحتفاظ بنسخة احتياطية للمكتبة .

على مدار عدة أشهر، اعتمد التلفزيون القومي على محاولات للبث من ولايات مثل الشمالية ، البحر الأحمر، بينما اعتمدت الإذاعة و في وقت وجيز على البث من ولاية شمال كردفان وواجهت في ذلك عدة صعوبات مما أدى لتوقف البث و من ثم عاودت البث من ولاية نهر النيل و لكن يعاب عليها البث عبر موجة الـFM التي لا تغطي مناطق واسعة و خاصة البعيدة من مراكز الولايات  إلا أنه ورغم الجهود المبذولة، لم ترق هذه المحاولات إلى المستوى المأمول في ذهنية المتلقي .

رغم الأهمية الكبيرة للهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون، إلا أن دورها في دعم الإعلام العسكري والقوات المسلحة ظل حتى وقت قريب يشوبه قصور في عدة جوانب، أبرزها :

 

1. ضعف التنسيق الإعلامي مع القوات المسلحة : لم يكن هناك تنسيق فعّال ومستمر بين الهيئة والقوات المسلحة لتوحيد الرسائل الإعلامية وتقديم صورة واضحة ومتكاملة عن العمليات العسكرية والجهود الأمنية . أدى هذا القصور إلى تباين في المعلومات المُقدمة وأحيانًا إلى غياب التفاصيل الهامة، مما أضعف ثقة الجمهور.

 

2. الافتقار إلى تدريب الكوادر الإعلامية المتخصصة : يعاني الإعلام الرسمي من نقص في الكوادر الإعلامية المتخصصة في الشؤون العسكرية ، مما أثر على قدرة الهيئة على تحليل وتقديم المعلومات العسكرية بشكل دقيق ومهني . فالقنوات الإعلامية كانت تفتقر إلى الخبراء والمحللين العسكريين الذين يمكنهم تقديم قراءة متعمقة للأحداث.

 

3. البطء في الاستجابة للأحداث الجارية : تأخر الإعلام الرسمي في مواكبة التطورات الميدانية السريعة، حيث كانت الأخبار تصل متأخرة أحيانًا مقارنة بالإعلام البديل أو وسائل التواصل الاجتماعي. هذا البطء في الاستجابة أثر على مصداقية الإعلام الرسمي وأضعف دوره كمنبر رئيسي لنقل المعلومات .

 

4. عدم الاستفادة الكافية من التكنولوجيا الحديثة : مع تطور التكنولوجيا في مجال البث والإعلام الرقمي، لم تتمكن الهيئة القومية من مواكبة هذه التطورات بشكل كامل. فقد كان من الممكن الاستفادة من المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي لتقديم محتوى إعلامي تفاعلي ومؤثر، إلا أن ضعف البنية التحتية والتأخر في تبني الحلول التقنية حال دون ذلك.

 

5. قلة التنوع في المحتوى الإعلامي : كان المحتوى الإعلامي الموجه لدعم القوات المسلحة يفتقر إلى التنوع المطلوب . فبدلاً من الاعتماد فقط على نشرات الأخبار والبيانات الرسمية الصادرة من القوات المسلحة ، كان من الممكن تقديم برامج وثائقية ، وتحليلات متعمقة ، وقصص شخصية لأفراد القوات المسلحة لتعزيز الروح الوطنية ورفع معنويات المواطنين.

 

6. التكرار في المحتوى : نتيجة للفقرة السابقة واجهت البرامج و التغطيات الإعلامية مشكلة التكرار دون تقديم محتوى جديد .

 

7. ضعف التفاعل مع الجمهور : لم تكن الهيئة على قدر كافٍ من التفاعل مع المواطنين عبر الوسائل الحديثة مثل وسائل التواصل الاجتماعي، مما جعلها بعيدة عن الجمهور في بعض الجوانب .

 

8. التقصير في التوعية الإنسانية : لم تُبرز الهيئة بما فيه الكفاية الأزمات الإنسانية التي سببتها الحرب ، مثل معاناة النازحين واللاجئين وتدمير البنية التحتية.

 

في الوقت الراهن تحسن الأداء و أصبح دور الهيئة ملموساً بصورة أكبر في القيام بمسؤولية توجيه الرأي العام المحلي والدولي. هذا الدور المهم الذي تلعبه الهيئة يشمل عدة مهام رئيسية ، و أصبح  له تأثير ملحوظ على المشهد الإعلامي ، بما في ذلك استمراها في نقل البيانات الرسمية، نشر الأخبار الموجهة، وتعبئة الجمهور لدعم القوات المسلحة .

 

1. بث البيانات الرسمية : كانت الهيئة المصدر الأساسي لبث البيانات الرسمية الصادرة عن الحكومة السودانية والقوات المسلحة بشأن تطورات الحرب.

 

2. نشر الأخبار الموجهة : تضمنت تغطية الهيئة تركيزًا كبيرًا على تصوير قوات الدعم السريع كقوة متمردة وخارجة عن القانون، اعتمدت الهيئة على صياغة الأخبار والبرامج بطريقة تسلط الضوء على هذا الجانب، ما ساهم في تشكيل نظرة الجمهور المحلي والعالمي تجاه الأزمة.

 

3. التعبئة والتحفيز : لم و لن يقتصر دور الهيئة على نقل الأخبار، بل أصبح يشمل أيضًا تعبئة الرأي العام لدعم القوات المسلحة السودانية . فمن خلال البرامج الموجهة، عملت الهيئة على رفع الروح المعنوية للقوات المسلحة والمواطنين ، وتسليط الضوء على أهمية الوقوف إلى جانب القوات المسلحة في مواجهة مليشيا الدعم السريع المتمردة . هذه البرامج هدفت إلى تعزيز الانتماء الوطني وحشد الدعم لصالح الدولة .

 

دور وكالة السودان للأنباء ( سونا )

 

وكالة السودان للأنباء (سونا) تُعد المصدر الرسمي للأخبار الحكومية في السودان والمسؤولة عن تغطية الأحداث الوطنية والدولية. ومع تصاعد الصراع بين الحكومة السودانية و مليشيا الدعم السريع المتمردة ، برزت بعض القضايا التي أظهرت تحديات كبيرة في أداء الوكالة، خاصة في توصيل الرواية الرسمية وإبراز الصورة الحقيقية للصراع. خلال هذا المقال، سنلقي الضوء على هذه التحديات وكيفية تأثيرها على توجيه الرأي العام المحلي والدولي.

 

1. ضعف توصيل الرواية الرسمية : على الرغم من دور سونا كوكالة حكومية، إلا أن هناك ضعفًا في توصيل الرواية الرسمية التي تصف مليشيا الدعم السريع  بأنها قوات متمردة تهدف لتقويض كيان الدولة السودانية. هذا الضعف في التوضيح ربما أسهم في تشويش الرؤية الدولية حول طبيعة الصراع، ما أدى إلى عدم وجود دعم دولي قوي للحكومة السودانية.

 

2. غياب تسليط الضوء على شرعية الحكومة : من الأدوار الأساسية لأي وكالة إخبارية حكومية هو إبراز شرعية الحكومة الوطنية. سونا لم تنجح بشكل كافٍ في توضيح أن الحكومة السودانية هي الجهة الشرعية التي تدافع عن سيادة البلاد. نتيجة لذلك، قد يتشكل انطباع لدى الرأي العام بأن الحرب بين الحكومة و مليشيا الدعم السريع المتمردة هي مجرد نزاع بين أطراف متساوية في القوة والشرعية، ما أدى إلى تقويض الجهود الدولية لدعم الحكومة.

 

3. التأخر في مواجهة الدعاية المضادة : أحد أبرز التحديات التي واجهتها سونا هو التأخر أو الضعف في الرد على الدعاية المضادة التي نشرتها مليشيا الدعم السريع المتمردة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الدولية. هذا التأخر في مواجهة الروايات الأخرى سمح بتكوين صورة مضللة للصراع، ما أضعف موقف الحكومة السودانية في الساحة الدولية.

 

4. نقص في التغطية الدولية : تركزت جهود سونا بشكل كبير على نقل الأخبار المحلية، مع إهمال واضح للتواصل مع الإعلام الدولي وترجمة الأخبار إلى لغات أخرى. هذا النقص في التغطية الدولية حدّ من قدرة السودان على إيصال روايته الرسمية إلى المجتمع الدولي، ما أدى إلى زيادة التعاطف الدولي مع مليشيا الدعم السريع المتمردة .

 

5. الإخفاق في إبراز انتهاكات مليشيا الدعم السريع المتمردة : لم تُبرز سونا بشكل كافٍ الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع المتمردة ضد المدنيين والبنية التحتية . هذا الإخفاق في تسليط الضوء على هذه الانتهاكات ساهم في تكوين صورة غير دقيقة للصراع، ما أعاق الجهود الدولية لمحاسبة مليشيا الدعم السريع المتمردة  و دعم الحكومة السودانية.

 

العمل مع وكالات الأنباء الأجنبية

 

وكالات الأنباء الأجنبية، على الرغم من قوتها وشبكاتها الواسعة، كانت تواجه تحديات كبيرة في جمع المعلومات حول الحرب في السودان بسبب تعقيد الوضع الأمني والقيود المفروضة على الوصول إلى المناطق المتضررة. في ظل هذه الظروف، كان من الممكن أن تلعب وكالة السودان للأنباء (سونا) دورًا حاسمًا في سد الفجوة وتوفير معلومات محلية موثوقة تعجز الوكالات الأجنبية عن الوصول إليها. إلا أن سونا لم تستغل هذه الفرصة بالشكل الأمثل. هناك عدة أسباب توضح الحاجة الملحة للوكالات الأجنبية إلى مصادر معلومات محلية موثوقة، وكيف كان بإمكان سونا أن تسد هذه الفجوة يمكن حصر هذه الأسباب في الآتي :

 

1. التحديات اللوجستية والأمنية : كانت الوكالات الأجنبية مثل BBC وCNN وReuters وغيرها تواجه تحديات كبيرة في الوصول إلى مناطق النزاع الساخنة، وذلك نتيجة القيود المفروضة على التنقل وحظر دخول بعض المناطق للصحفيين الأجانب . هذا جعل من الصعب على هذه الوكالات الحصول على معلومات دقيقة وميدانية في الوقت المناسب . سونا، باعتبارها وكالة محلية، كان بإمكانها الاستفادة من وصولها المباشر إلى المصادر الحكومية والأطراف المحلية لتقديم تغطية ميدانية محدثة وموثوقة، مما يساعد في سد الفجوة التي تواجهها الوكالات الأجنبية.

 

2. الحاجة إلى مصادر موثوقة محلية : تعتمد الوكالات الأجنبية بشكل كبير على المصادر المحلية للحصول على تفاصيل دقيقة حول الأوضاع على الأرض، خاصة في مناطق النزاعات. هذه المصادر تساعد في تأكيد الأخبار الميدانية وتقديم صورة أوضح للأحداث. باعتبارها وكالة رسمية، كان بإمكان سونا أن تصبح مصدرًا رئيسيًا وموثوقًا لنقل الأخبار المحلية، مما يعزز ثقة الوكالات الأجنبية في الاعتماد عليها لتغطية الأحداث.

 

3. التغطية من الداخل : على الرغم من قدرة الوكالات الأجنبية على إرسال مراسلين إلى مناطق النزاع، إلا أن هؤلاء المراسلين غالبًا ما يكونون بعيدين عن المناطق الأكثر تأثرًا بسبب المخاطر الأمنية. هذا الوضع يحد من قدرتهم على الحصول على المعلومات المباشرة من قلب الأحداث. كان بإمكان سونا، بفضل مراسليها المحليين، تقديم تقارير مباشرة من داخل تلك المناطق، مما يمنحها ميزة تنافسية في جمع المعلومات وتقديم رواية ميدانية مفصلة للتطورات.

 

4. التعاون مع الوكالات الأجنبية : تبحث الوكالات الأجنبية دائمًا عن شركاء محليين موثوقين يمكنهم توفير المعلومات الدقيقة. العديد من هذه الوكالات تعتمد على مصادر حكومية أو شبكات إعلام محلية لجمع البيانات وتقديم رؤى أعمق حول الأحداث. سونا كان بإمكانها تطوير استراتيجية للتعاون مع هذه الوكالات، مما يمكنها من الاستفادة من انتشار الأخبار عبر شبكة دولية واسعة، وفي المقابل تزويد الوكالات الأجنبية بالمعلومات الموثوقة والمحلية.

 

5. إبراز الرواية السودانية : من خلال التعاون مع الوكالات الأجنبية وتقديم تغطية محلية دقيقة وشفافة، كان بإمكان سونا أيضًا أن تبرز الرواية السودانية الرسمية وتقديم صورة أكثر توازنًا حول النزاع. هذه الاستراتيجية كانت ستساعد في إيصال الرسالة السودانية إلى جمهور عالمي، وتقديم منظور محلي موثوق به يعكس الحقائق على الأرض.

 

ختاماً :

 

يجب على الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون إعادة النظر في استراتيجيتها الإعلامية، والاستفادة من الأخطاء السابقة لتطوير خطة إعلامية شاملة تدعم القوات المسلحة بفعالية أكبر، وتواكب متطلبات العصر، مع تعزيز التنسيق والتفاعل مع الجمهور.

في حين يجب أن تستغل وكالة السودان للأنباء (سونا) الفرصة المتاحة لها لتكون مصدرًا رئيسًا وموثوقًا للأخبار في ظل الحرب في السودان . من خلال تحسين تغطيتها المحلية وتطوير شراكات استراتيجية مع الوكالات الأجنبية ، بإمكان (سونا) أن تلعب دورًا محوريًا في سد الفجوة المعلوماتية وتحقيق انتشار عالمي أكبر لرؤية الحكومة السودانية .