بعد أن تناولنا في المقال السابق التضليل الإعلامي الذي تقوم به الغرف الإعلامية لمليشيا دقلو الإرهابية وبعض الطرق والاستراتيجيات للحد منه، نرى من جانب آخر عملاً يتم بكل احترافية. يعتبر التضليل جزءًا من هذا العمل الذي تقوم به المليشيا للتقليل من كل بوادر النجاح التي تلوح هنا وهناك.
كلنا يعلم حجم الدمار والشلل التام الذي أصاب جميع نواحي الحياة العامة والخاصة في السودان وطال العديد من مؤسسات الدولة عند اندلاع تمرد قوات الدعم السريع المشؤوم، ولم يكن في مقدور الإعلام العسكري أن يشذ عن هذه القاعدة بعد الهجمات التي طالت جميع المنشآت والمعدات التي كان ينطلق منها لتأدية واجبه وإيصال الرسالة المنوط به إيصالها.
لكن بحمد الله، مع مرور الأيام ومع تسارع الأحداث والنقد المتكرر من العديد من شرائح المجتمع السوداني الناقد والمنتقد، كما أسلفنا، لأداء الإعلام العسكري، من الملاحظ أن الإعلام العسكري بدأ يتعافى رويدًا رويدًا. وفي تقديري الشخصي، أنه الآن في وضع أفضل بكثير ويمكننا أن نصفه بالمتفوق حاليًا من كل النواحي على إعلام المليشيا من حيث الانتشار والتأثير والتنوع في الوسائل الإعلامية (حسب آراء مختصين والإحصائيات الخاصة بالمنصات والصفحات الرسمية) .
رغم تحفظ الكثيرين على أداء الإعلام العسكري حتى الآن، لا يمكننا أن نغفل التطور الملحوظ نسبيًا على الأداء العام الذي بالتأكيد لا يزال يحتاج إلى ما هو أكثر للوصول إلى ما يطمح له العاملون والقائمون على الأمر.
وكما يقول أهل الإعلام الذين يصنفون الإعلام العسكري كإعلام فئوي، فإن إحدى التحديات التي قد يواجهها هو العمل في بيئة عدائية تحاول النيل والتقليل من كل إنجاز أو تطور يصل إليه . فبالإضافة إلى عناصر الإعلام الخمسة ( المرسل، المتلقي، الوسيلة، الرسالة، والتأثير أو الاستجابة أو رد الفعل ) ، هناك عنصر سادس ألا وهو التشويش الذي يمكن أن يطال أيًّا من العناصر الخمسة ويؤثر عليها جميعًا أو على أحدها .
دعونا الآن نستعرض تأثير عمليات التشويش الممنهج التي يمكن أن تطال كل عنصر من عناصر الإعلام الخمسة، وخاصة في الإعلام العسكري والتي يمكن أن يكون لها تبعات كبيرة ومعقدة ، وهي :
1. المرسل (مصدر المعلومات) :
أ - تشويه المصداقية : القيام بالتشكيك في مصداقية المرسل، مما يؤدي إلى تقليل الثقة بالمعلومات المقدمة.
ب - إرباك العمليات : التشويش على مصدر المعلومات العسكرية، مما يؤدي إلى إرباك في نقل الأوامر والقرارات الحرجة خاصة في العمليات الجارية التي تتطلب تنسيقًا عاليًا.
2. المتلقي (الجمهور المستهدف) :
أ - التضليل : يؤدي التشويش إلى تضليل المتلقين، مما يجعلهم يتلقون معلومات مغلوطة أو مشوهة، مما يؤثر على فهمهم للوضع الراهن.
ب - إرباك المتلقي : يزيد التشويش من حالة الإرباك والشك لدى المتلقين، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير مستندة إلى معلومات دقيقة.
3. الرسالة (المحتوى) :
أ - تحريف المحتوى : يمكن للتشويش أن يغير أو يشوه محتوى الرسالة الأصلية، مما يجعلها غير دقيقة أو مضللة.
ب - الرسائل المتضاربة : يمكن أن يؤدي التشويش إلى إرسال رسائل متضاربة، مما يربك المتلقين ويجعل من الصعب عليهم تمييز الحقيقة.
4. الوسيلة (القنوات المستخدمة لنقل المعلومات) :
أ - تدمير الوسائل : يمكن للتشويش أن يعطل أو يدمر وسائل الاتصال المستخدمة، مثل الراديو، التلفزيون، والإنترنت، مما يؤدي إلى انقطاع التواصل.
ب - اختراق الوسائل : يمكن أن يتم اختراق الوسائل واستخدامها لنشر معلومات مضللة.
5. رد الفعل (الاستجابة) :
أ - تأخير الردود : يؤدي التشويش إلى تأخير في الاستجابة أو اتخاذ قرارات خاطئة بناءً على معلومات غير صحيحة.
ب - إجراءات غير مناسبة : قد يتخذ القادة العسكريون إجراءات غير مناسبة بناءً على معلومات مشوشة، مما قد يؤدي إلى نتائج كارثية.
فكل ما سبق ذكره يقينًا قد برعت فيه الغرف الإعلامية لمليشيا دقلو الإرهابية والجهات الداعمة لها ، حيث انتهجت جميع طرق التشويش للتقليل من أي إنجاز يقوم به الإعلام العسكري بمختلف أنواعه ووسائله والتركيز على السلبيات فقط. وللأسف الشديد، كان هذا أيضًا نهج الكثيرين من داعمي القوات المسلحة عبر وسائل التواصل المختلفة الذين تأثروا بما أرادت الوصول إليه هذه الغرف ونتيجة لسعيهم الدؤوب في الوصول للكمال في أداء الإعلام العسكري.
و مما قد يخفى عن الكثيرين أن النهج الذي تقوم به المليشيا وداعميها للتقليل من دور الإعلام العسكري يمكن أن يكون له تأثيرات كبيرة على القدرة العسكرية العامة والتفاعل المجتمعي منها:
1. تقويض الروح المعنوية :
أ - نشر الشائعات : يمكن للتشويش أن يتضمن نشر شائعات تؤدي إلى تقويض الروح المعنوية بين الجنود والعامة . عندما تنتشر أخبار سلبية أو مضللة حول الوضع العسكري، يمكن أن يؤدي ذلك إلى إحباط الجنود وخفض معنوياتهم.
ب - إثارة الشكوك : حول القيادة العسكرية وقدرتها على إدارة العمليات بفعالية، مما يزعزع الثقة بين الجنود وقيادتهم .
2. تشويه السمعة :
أ - تشويه الإنجازات : يمكن للتشويش أن يهدف إلى تشويه الإنجازات العسكرية وتقليل قيمة النجاحات التي يحققها الجيش، مما يجعل الجهود تبدو غير فعالة أو غير مهمة.
ب - الهجوم على المصداقية : إذا تم التشكيك في مصداقية الإعلام العسكري، يمكن أن يقلل ذلك من تأثير الرسائل الصادرة عنه ويضعف ثقة الجمهور في المعلومات التي يقدمها.
3. إثارة الفتنة الداخلية :
أ - خلق الانقسامات : يمكن أن يؤدي التشويش إلى خلق انقسامات داخل القوات العسكرية أو بين القوات والمجتمع المدني، مما يضعف الوحدة والتماسك.
ب - التأثير على الرأي العام : عبر نشر معلومات مضللة، يمكن للتشويش أن يؤثر على الرأي العام ضد الجهود العسكرية، مما يقلل من الدعم المجتمعي للعمليات العسكرية.
4. إضعاف الاستجابة :
أ - تأخير في اتخاذ القرارات : إذا كانت المعلومات المتاحة غير واضحة أو مشوشة، قد يؤدي ذلك إلى تأخير في اتخاذ القرارات الحرجة، مما يضعف القدرة على الاستجابة السريعة للتهديدات.
ب - إجراءات غير مناسبة : بناءً على معلومات مشوشة، قد يتم اتخاذ إجراءات غير مناسبة أو غير فعالة، مما يؤدي إلى نتائج غير مرغوبة.
5. تقليل القدرة على التجنيد والاستنفار : و ذلك بتشويه صورة القوات المسلحة مما يؤدي نشر صورة سلبية إلى تقليل حماس الأفراد للانضمام إلى القوات المسلحة ويصعب عمليات التجنيد والاستنفار والتحشيد للمقاومة .
ختامًا :
مما يجدر الإشارة إليه في الإعلام العسكري بصفة خاصة هو أن التشويش الممنهج يكون له تأثير مضاعف نظرًا لأهمية دقة وسرعة المعلومات. ويمكن أن يؤدي التشويش إلى نتائج خطيرة مثل الفشل في العمليات العسكرية، الخسائر البشرية، وفقدان الثقة بين القوات والقيادة.
ومما يجب العلم به أن التشويش الممنهج يهدف في النهاية إلى إضعاف القدرة العسكرية الشاملة وتقليل التأثير الإيجابي للإعلام العسكري. وللتصدي لهذا التشويش، يتطلب الأمر إجراءات مضادة مثل تعزيز المصداقية، تحسين أنظمة الاتصالات، وتطوير استراتيجيات فعالة لمواجهة المعلومات المضللة.
ويبقى الدور الرئيس على عاتق المتلقي الذي هو أهم العناصر المستهدفة من عملية التشويش والذي يتوقع منه أن يكون على :
1. درجة عالية من الموثوقية .
2. درجة من الصبر والإيمان بما تقوم به قواته المسلحة والقوات النظامية الأخرى .
3. درجة عالية من التحري والتقصي للوصول إلى المعلومة من مصادرها .
4. المشاركة في كسر التشويش وتفويت الفرصة للنيل من مصداقية القضية التي نقاتل من أجلها.
5. أن لا يكون جزءًا من عملية التداول والنشر لرسائل المليشيا الموجهة .
6. وأخيرًا أن يمثل الدرع الواقي والسند الذي تتكئ عليه قواته المسلحة في دحر المليشيا المتمردة وأذيالها عبر ما تبثه غرفها الإعلامية من السموم .