دائمًا ما ينشغل الناس بالحديث عن غيرهم؛ ينتقدون، يعيبون، ويقللون من شأن الآخرين، في محاولة لإحباطهم وإعادتهم خطوات إلى الوراء. ولكن على العاقل أن يسد أذنيه عن كل ما يُقال، فلا يجدر به أن يُرهق نفسه بمحاولة إرضاء الجميع؛ فإرضاء الناس غاية لا تُدرك.
المطلوب من الإنسان أن يعرف نفسه حق المعرفة، ويعمل بما يمليه عليه ضميره وبما يراه صوابًا. لذا عليه ألّا يلتفت لما يُقال عنه، ولا يُشغل باله برأي من لا يرى إلا بعين النقد. فمتى كانت أحكام الناس عادلة؟ إنهم إذا أحبوا شخصًا جعلوا من عيوبه مزايا، وإذا أبغضوه جعلوا من مزاياه عيوبًا.ها هو سيدنا لوط عليه السلام، حين أراد قومه طرده ومن آمن معه من قريتهم، لم يجدوا لذلك مبررًا مقنعًا، فاتهموه بالطهارة! تخيلوا: الطهارة أصبحت في نظرهم جريمة! فقالوا:{أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون}.فهل الطهارة عيب يُطرد الإنسان بسببها من وطنه؟انظر إلى تاريخ البشر؛ فقد اتهم الناس العفيف يوسف عليه السلام بالكفر، ورموا الصادق الأمين محمدًا صلى الله عليه وسلم بالسحر والكذب، وافتعلوا حادثة الإفك ضد أم المؤمنين الطاهرة عائشة رضي الله عنها وأرضاها.لقد أصابت العرب حين قالت: «إرضاء الناس غاية لا تُدرك». فمهما كنت محبوبًا ستجد من يكرهك بلا سبب، ومهما كنت ناجحًا ستجد من يقلل من إنجازاتك بلا مبرر أيضًا، ومهما كنت تقيًا ستجد من يشكك في نقائك. الناس يرونك بعيونهم المختلفة؛ قد يراك البعض تقياً، بينما يراك آخرون عكس ذلك تمامًا. لكنك الأعلم بحقيقة نفسك وبالأسرار التي لا يراها غيرك. يا عزة النفس، كوني في العلا قمراً، فالعيش دونك مثل الغصن إن مالا.كرامة المرء تاج فوق هامته فهي تعلو على الجاه والمالا. اعرف نفسك، واعمل على تطوير مزاياك، ولا تلتفت لكلام الناس. إن توقفت عند كل كلمة قيلت عنك، فلن تتمكن من المضي قُدمًا. كلمات الناس أشبه بالحُفر في الطريق؛ إما أن تتجاهلها وتكمل مسيرك، أو تسقط فيها فتتعطل عن بلوغ غايتك.
وتذكّر، حتى لو خرجت من الحفرة، لن تخرج منها كما دخلت.
إن الرد على الإساءة أحيانًا يُعطيها قيمة لا تستحقها؛ لذا في الصمت تكون الحكمة. فالعارف بنفسه وبقيمته يعيش مطمئنًا مرتاح البال. وكما قيل: «العارف عزّو مستريح»