بقلم د.
محمد عثمان عوض الله
تعتبر منطقة الزرق نقطة التقاء حدودية بين ليبيا و تشاد و السودان
في الوقت الذي كانت فيه تقدم و المليشيا يضعون اللمسات الأخيرة لإعلان حكومتهم و يتآمرون مع الدول للإعتراف بها، وكانت دولة الأمارات و تشاد و المليشيا يشنون بمثابرة غريبة، أكثر من 150 من الهجمات المتتالية لإسقوط الفاشر، وكانت أبواق تقدم الاعلامية والسياسية تنشر الأكاذيب و الأماني و الاشاعات و التخذيل ضد القوات المسلحة. في هذا التوقيت بالذات، كانت للقوات المسلحة السودانية و المشتركة أفعال على الأرض لا مجرد كلمات على الميديا. بالأمس حققت القوات المسلحة والمشتركة أكبر الإنتصارات على الإطلاق و أهمها ماديا و معنويا و سياسيا. ألا و هو تحرير قاعدة الزرق.
- صحيح أنه ومنذ ثلاثة أشهر بدأ الجيش تنفيذ خطته الهجومية، و حقق سلسلة الإنتصارات الباهرة، و المتزامنة في جميع الولايات، وفي جميع جبهات القتال، بحري، المقرن، سنار، جبل موية، الدندر، الرهد، السوكي، قرى الجزيرة شرقها و غربها و جنوبها، و الفاشر، الغبشة في شمال كردفان ... الخ. إلا أن تحرير قاعدة الزرق يعتبر هو الإنتصار الأكبر على الإطلاق. فما هي أهمية قاعدة الزرق و ماذا تشكل بالنسبة للجيش و للمليشيا و ماذا حقق الجيش من تحريرها؟ نحاول في هذا المقال الاجابة على هذه الأسئلة.
أولا الموقع الجغرافي لقاعدة الزرق
- الاسم الأصلي لقاعدة الزرق هو (حاء مي). و الزرق منطقة في ولاية شمال دارفور، تقع جنوب غرب الفاشر. و تطل من أعلى، على قاع وادي هور. وهو عبارة عن وادي يمتد في مساحة كبيرة، مليئة الأشجار الكثيفة و الغابات الممتدة ويشمل أيضا نقطة تلاقي مثلث الحدود بين ليبيا و تشاد و السودان في شريط منطقة أوزو، ويمتد أيضا شمالا حتى وادي الملك في الدبة بالولاية الشمالية.
ثانيا أيلولة قاعدة الزرق الى أسرة حميدتي
تتبع منطقة الزرق تاريخيا الى حواكير قبيلة الزغاوة و تحديدا لدار سويني و دار أرني. إلا أن حميدتي فكر منذ نهاية العام 2017، نهاية حكومة البشير، في اتخاذها قاعدة و مركزا لتوطين أهله فيها. فبدأ في مشروعه بدايات متواضعة. إلا أن النقلة الكبرى وملامح المشروع لم تبدأ فعليا إلا بعد أن توطدت علاقته مع الطاهر حجر، اقرب خشم البيوت من قبيلة الزغاوة التي تحالفت معه و تتوطدت العلاقة بينهما منذ مفاوضات اتفافية جوبا. و اتفقا على وحدة الأهداف السياسية والعسكرية وضرورة التنسيق المحكم بينهما من أجل انهاء ما اسماه بحكم الجلابة في السودان و بداية حكم بيوتات دارفورية للسودان بقيادة آل دقلو (المصدر تقرير خبراء الأمم المتحدة). منذ ذلك التاريخ نشط الطاهر حجر في إقناع عدد من قيادات الزغاوة عبر الاغراء بالمال أو السلطة أو السلاح أو العربات، بضرورة انشاء قاعدة عسكرية ضخمة و اجتماعية و خدمية في منطقة الزرق و السماح بتوطين آل دقلو فيها. وبناء المطارات و المخازن الأرضية و القواعد العسكرية و القرى النموذجية و المدارس والمستشفيات. كل ذلك استعدادا لتنفيذ الخطة الجديدة المشتركة. و اتخاذ الزرق كقاعدة انطلاق لتنفيذها.
ثالثا الوضع الإداري الجديد في الزرق
أكمل حميدتي انشاء البنية التحتية في الزرق. و بدأ بتوطين عائلته و أهله المقربين و عين عمه ( جمعة دقلو ) كعمدة لمنطقة الزرق. يعتبر جمعة دقلو هو عميد أسرة آل دقلو. وهو العقل المدبر صاحب التأثير الكبير على حميدتي. وهو صاحب الافكار و التخطيط لبناء مجد أسرة آل دقلو. و بسبب ذلك ادخل اسرة آل دقلو في صراعات مع عدد من الزعامات القبلية المنافسة في المنطقة. وهو المتهم الرئيسي بتدبير محاولة اغتيال الشيخ موسى هلال الزعيم التاريخي للرزيقات/المحاميد. وقد ظل دوما يحرض ضده. وبذلك سيطر حميدتي على الزرق مستفيدا من تنسيقه مع الطاهر حجر، و من هيبة الدولة باعتباره الرجل الثاني، و بسطوة السلاح و المال، إستطاع أن يخلق واقعاً اداريا جديدا.
رابعا أهمية منطقة الزرق العسكرية
تنبع أهمية منطقة الزرق من عدة نقاط نوردها في التالي:
تعتبر منطقة الزرق ملتقى نقطة الحدود بين ليبيا و تشاد و السودان. وبذلك ظل يستخدمها حميدتي في تجميع كل الامدادات الخارجية التي تأتيه من تشاد و ليبيا. و أنشأ فيها قاعدة عسكرية ضخمة جعلها مركز قواته الرئيسي بالعدة و العتاد و التشوين الذي يأتي من الخارج.
الطبيعة الجغرافية حيث الأشجار الكثيفة و الغابات تحقق سترا و إخفاء، يمكن من ايصال الامداد اليها دون أن يتعرض لأي تهديد عبر الطيران من الجو. فوق ذلك وضع حميدتي، فيها مركز تشويش يحتوي على منظومة استراتيجية من الأجهزة التي تشوش على بوصلة إحداثيات الطيران فتؤثر على دقتها دون أن تصيب اهدافها.
بسبب هذه الميزات، إتخذها حميدتي قاعدة عسكرية بمثابة القيادة العامة لقواته، و اجتماعيا بمثابة المركز الرئيسي لأسرته الخاصة حيث يقيم فيها ابوه و أعمامه و عشيرته، و قبليا بمثابة الحاضنة الاجتماعية لمملكته، و اقتصاديا بمثابة المركز الرئيسي للإمداد، و خدميا بمثابة القرى النموذجية للتوطين و تقديم الخدمات. و استراتيجيا هي بمثابة قاعدة المخازن الرئيسية للإمدادات العسكرية و اللوجستية و العربات و السلاح و الذخيرة و الوقود والدواء و المواد الغذائية و المرتزقة، التي تأتي من الخارج. كما أن بها مهابط للطيران، و مستودعات و مخازن تحت الأرض.
أيضا من ضمن نقاط اهميتها أنها تعتبر مركز الإعداد الرئيسي لمتحركات المليشيا الكبيرة، و مركز التدريب الخاص للقيادات المركزية.
خامسا ماذا كسب الجيش السوداني من تحرير قاعدة الزرق
بتحرير قاعدة الزرق كسب الجيش السوداني قاعدة مجهزة بكل البنية التحتية التي انفقت فيها دولة الأمارات مليارات الدولارات. وكسب مخزون استراتيجي مخبأ في مخازن ومستودعات تحت الأرض مليئة بكل أنواع الأسلحة تكفي لعدد من السنين. كما كسب مئات العربات القتالية كاملة الإعداد و العتاد. كما إستطاع الجيش بهذا الانتصار أن يؤمن مدينة الفاشر تأمينا كاملا من الناحيتين الجنوبية و الغربية. و أن يؤمن كل الحدود مع ليبيا و جانبا من الحدود مع تشاد. و أن يؤمن الولاية الشمالية و ولاية نهر النيل من كل التهديدات التي كانت محتملة عبر الصحراء. كما و أن يؤمن ظهر المتحركات المتجهة نحو مدن دارفور الأخرى مثل كتم والجنينة فيغنم منها الجيش كل السلاح الأماراتي كما غنم في الزرق. و إستطاع أن يكسر عظم ظهر أسرة آل دقلو و أن يقهر قيادتها الرئيسية.
ماذا فقد آل دقلو بهزيمتهم في الزرق
خسر ال دقلو المأمن الحصين. والمخزن الأمين المليئ بالمخزون الاسترايجي. و خسروا مجهود السنين عسكريا و ماديا و لوجستيا. خسروا ماتبقى من الصورة الذهنية التي رسموها لانفسهم فضللوا بها حلفائهم بانهم الوسيلة القاهرة التي لا تُهزم. فجائتهم الهزيمة في عقر دارهم وحصنهم. و افقدتهم كل مدخراتهم.
أخيرا، فإن الخاسر الأكبر هو دولة الأمارات، التي انفقت مليارات، مليارات الدولارات على مليشيا تم قهرها اليوم في أحصن حصونها وفي مقر القيادة العامة لها. فخسرت الأمارات الأموال و المرتزقة و السلاح و الفكرة و الهدف. و الأسوأ أن الأمارات خسرت سمعتها عربيا واسلاميا وعالميا، فصارات ملاحقة و مراقبة و مدانة و انفقت الأموال حسرة و ندامة و سيأتي دور العقوبات و الغرامات و التعويض و اعادة البناء.