تصريحات المسؤوليين الأممين و التي تعبر عن رؤية الدول و الوكالات و المنظمات الأممية و الأقليمية تجاه الحرب التي تدور رحاها في بلادنا ، كشفت هذه التصريحات بجلاء أن ميزان العدالة الذي يقوم عليه النظام الكونى قد اختلّ مما كان له الأثر الواضح فى تعامل المجتمع الدولى ليس مع هذه الأزمة التي تمر بها بلادنا بل في التعامل مع كل المشكلات التي واجهت العالم و لسنوات خَلت. فالميزان هو رمز العدالة و تمثل إحدى كفتيه قوى الخير و الأخرى قوى الشر و الأمر و الطبيعى أن تترجح قوى الخير على قوى الشر أما إذا كانت الأخرى هي الراجحة فهذا يعنى أن قيم الحق و الخير و الفضلية و العدالة قد أصبحت سلعة نادرة في عالم يسوده الظلم .
التاريخ يحدثنا أن هنالك حضارات سادت ثم بادت ، أمم أخرى ازدهرت ثم تساقطت بل اندثرت وانمحت و ضاعت معالمها ، لا لشيئ إنما بسبب اختلال الميزان و مناصرة الباطل و مساندة المفسدين في الأرض . و بما أن قيم الحق و العدالة حتى مع النفس و الأقربين هي سبب ازدهار الأمم و نهضتها فإن الجور و الفساد في الأرض هي من أهم أسباب هلاكها خاصة إذا أتى ذلك من جهات كمزط بها المحافظة على أمن و سلامة الشعوب. فعندما يختل ميزان العدالة يظلم الإنسان أخيه الأنسان و يجد الظالم من يؤيده على ظلمه في حين لا يجد المظلوم من يقف بجانبه حينها تتدخل عدالة السماء لنصرة المظلوم و لو بعد حين و اللأخد بيد الظام أخذ عزيز مقتدر.
تعامل المجتمع الدولى مع الأزمة التي تمر بها بلادنا يشير إلى أن من ينتظر معاملة عادلة من المجتمع الدولى سوف يطول انتظاره. فالمسئوليين الأميين و غيرهم يناصرون من يقوم بالتدمير و التخريب الممنهج لبلادنا و يساندونه و في الوقت نفسه يفضون الطرف عن فظائعه ، فما بات خفياً على العالم كله من الذى يعتدى على الأبرياء و يسومهم سوء العذاب ، ينهب ممتلكاتهم يخرّب بيوتهم و يشرّدهم قسرياً و يدمر مؤسسات الدولة و بالمقابل لا يخفى على العالم كذلك من الذي يدافع عن المواطنين و ممتلكاتهم من الذى يوفور لهم الحماية من إعتداءات المليشيا المتمردة مع ذلك يساوون بين هذه المليشيا المتمردة و بين قواتنا المسلحة و كافة القوات النظامية الأخرى و يطقلون عليهما (طرفى النزاع) .
أحداث الفاشر الأخيرة و التي اعتدت فيه مليشيا الدعم السريع المتمردة على المدينة الوادعة و على ضواحيها الهادئة و هلى معسكرات النازجين و مناطق الإيواء ، و مع هجماتها المتكررة على المدينة و محلياتها و قراها رغم الخسائر الكبيرة والهزائم التي منيت بها ، و مع إصرارها العجيب على دخولها و إجلاء مواطيها ، و مع الترويع المستمر للمواطنين الآمنين و مع قتل الأبرياء و تدمير المرافق الحيوية و التي لم تسلم منها حتى مرافق الكهرباء و المياه و المرافق الخدمية و مع محاولات هذه الميشيا المستميتة لتعطيل الحياة و إيقافها تماماً مع ذلك كله و الذي يحدث تحت سمع و بصر المجتمع الدولى و هو لا يحرك ساكنا بل العكس من ذلك تصدر مثل تلك التصريحات المجحفة من كبار المسئولين الأميين و من قيادات كبرى المنظمات الدولية ليس لمخاطبة مليشيا الدعم السريع المعتدية و حلفاءها و مطالبتها بالكف عن إعتداءاتها من تقتيل و تشريد و تهجير للمواطنين و مفاقمة معاناتهم فهى بدلاً عن ذك تناشد الطرفين ( بتوفير ممرات آمنة للمواطنين للخروج من الفاشر) و كأن هذه المؤسسات و الهيئات الأميية لم تنشأ لمناصرة المُعتدى عليه إنما لمساندة المعتِدى ليزداد تكبراً و تجبراً و استعلاءً على الأرض.
استماتة هذه المليشيا في الاعتداءات و تدوين المناطق السكنية بالقاذفات المميتة لإجبار المواطنين على ترك المواطنين و إخلاء المدينة و تركها للمليشيا لتعيث فيها فساداً هذا كله لا يعنى شيئاّ للمجتمع الدولى طالما ظل ينظر إلى مشكلات العالم من خلال منظار قاتم و يزن الأمور بميزان مختل . فالمجتمع الدولى ما عاد يهمه مصالح الأمم و الشعوب و قد انحرف عن الجادة و حاد عم قيم الحق و لعدالة و الفضيلة فقد بات لا يلتفت إلى معاناة الشعوب و لا ينظر إلى مشكلاتها وفق مننظور العدالة الدولية إنما ترجِّح مصالح و مطامعها في بلاد الآخرين و في مواردها و ثرواتها وتتعامل وفق ذلك و تدعم من يحقق لها ذلك حتى و لو كان فيه خراب العمران و تهجير السكان و صناعة الأزمات و المآسى الإنسانية.
من السنن الكونية أن الباطل مهما انتشر وعظُم شأنه و كثر مناصيره فأن مصيره إلى الزوال و أن الحق مهما قل أنصاره فإنه باقٍ و منتصر بإذنه سبحانه وهو القائل : (فأما الزبد فيذهب جفاءً و اما ما بنفع الناس فيمكث في الأرض). اللهم نصرك الذى وعدت.