مشاركة
78 الأخيرة منذ 5 أشهر صحيفة كرري

التركيبة النفسية للجنجويدى

بقلم : عقيد د. ركن أحمد يوسف النور

من الطبيعى أن تتشابه الطباع البشرية فكل شعب له ما يلتقى حوله من الصفات و السلوك و الطبائع ، أما أن تكون التركيبة  النفسية لمجموعة ما متشابه إلى درجة  التطابق فهذا ما لا يتفق مع سنة الاختلاف التي فطر البارئ  جل جلاله الناس عليها و هذا ما يتطابق مع السلوك الجمعى للجنجويد رغم اختلاف مشاربهم .

الجنجويد هذه العبارة أول ظهورها في دارفور في ثمانينيات القرن الماضى ، بعض الناس يذهبون أنها دخيلة ظهرت في تشاد ثم انتقلت بعد ذلك إلى مجتمع دارفور و يستدَل على ذلك أن هذه المجوعة ظهرت فيها أولاً قبل ظهورها في دارفور و كانت تعنى (جن على ظهر جواد و يحمل بندقية  ج 3) وهم مجموعة من المتفلتين و قطّاع الطرق من قبائل متفرقة ، كانوا يتنقّلون من منطقة إلى أخرى يمارسون النهب المسلح ،  يروٍّعون الآمنين، يقتلون بلا رحمة و يستولون على حقوق الأخرين  و يتصرّفون فيها و كأنها ملك لهم . تم تشبيههم  بالجن لخفة حركتهم و إجادتهم للاختفاء و سلوكهم الشاذ الى لا يشبه سلوك بشر و الغموض الذي يكتنف إنتماءاتهم و تحركاتهم و أعمالهم الإجرامية.

هنالك من يرى أن مصطلح الجنجويد شائع الاستعمال في دارفور منذ زمن بعيد . ويعني به الشباب المنفلتين من قبائلهم والذين لا يتورعون عن ارتكاب الموبقات من نهب وفاحشة واعتداء على الغير . فالجنجويد القدامى كانوا متشابهين بل متفقين في كل شيء ، و القاسم المشترك الأعظم بينهم أنهم جميعاً كانوا من عتاة المجرمين كل واحد منه نبذته أسرته و تبرّأت منه قبيلته  فأصبح هائماً على وجهه إلى أن وجد ضالته ممارسة النهب المسلح مع هؤلاء المجرمين الذين احترفوا ( الجنجويدية ) و اتخذوها مهنة يتكسبون منها .

شخصية الجنجويدى يمكن تصنيفها أنها شخصية  متمردة  على الأعراف و التقاليد القبلية أولا ثم المجتمعية ثانياً فالسلوك الجنجنويدى نشاذ غير مقبول لدى الجميع  فهو منافى لكل  الأعراف و العادات و التقاليد فضلاً عن الدين ،  فالفرد منهم لا يؤمن  أن هنالك كتاب و أن هنالك حسنات  و أخرى  سيئات و لا يؤمن أن هنالك بعث و نشور و حساب وهو لا يعرف  أن للدماء حرمة و الأعراض مصانة و الأموال محمية يفعل  ما يشاء بلا وازع من دين أو أخلاق كما لا يهمه كثيراً  حساب أو عقوبة .

مليشيا الدعم السريع المتمردة أخذت من أسلافها قدامى الجنجويد كل قبيح فهى في  تكوينها ضمت عتاة المجرمين المطاريد من شتات صحراء غرب إفريقيا ، و في أخلاقها تشرّبت بأخلاق الجنجويدى الذى لا عهد له و لا أخلاق  و لا دين و في وسلوكها ورثت منهم كل سلوك مشين لا يمت إلى المكارم الإنسانية بصلة ، فأصبح الجنجنويدى  المعاصر مسخاً و نسخة مكررة  من سلفه و زاد عليه بعضاّ من سيئ السلوك  كالتكبر و الجبروت  ، بطر  العيش ، الافتراء ، الكذب و تزييف  الحقائق .

فالجنجويدى يمارس كل قبيح مارسه  أسلافه الجنجويد القدامى و زاد عليها من سيئ السلوك فهو  يمارس النهب و السلب  مع ذلك يهلل  و يكبر ، يعتدى  على  الحرمات و هو يهلل ويكبر ، يسفك الدماء  و هو يهلل و يكبر و يخرب  العامر و يدمر كل ما يجده أمامه و هو يهلل ويكبر ، يفعلون ذلك كله دون أن يطرف لهم جفن بل يظنون أنهم رسل خير أتوا ليبسطوا في الأرض سلاما و عدلاً ، و قد جهلوا  أن للتكبير و التهليل قدسية و مقتضيات و من مقتضياتها عدم الاعتداء على الآخرين في أنفسهم  و في اعراضهم و في ممتلكاتهم و عدم تخريب  و تدمير مرافق الدولة . إنه لسلوك غريب  إنهم مع  أولئك مع  الذين زين  لهم الشيطان سوء عملهم فرأوه حسنا .

ما ينطبق على الجنجويدى لابس الكدمول و الذي يسفك الدماء و ينتهك الأعراض و يستحل الحرمات ، ينطبق  تماما على اولئل الذين يدعمونهم  لا ينقصهم من الجنجويدية سوى الكدمول فمن يؤيد سافكى الدماء  فهو شريك أصيل  لهم في جريمتهم هذه و من لا تصدر  منه مجرد إدانة لسلوكهم المشين هذا فهو شريك لهم كذلك  و من يوفر لهم  السند السياسى و الدبلوماسي  و الإعلامى لا يقل جنجويدية  عن ذلك  الذي يسفك الدماء  و يستحل  الحرمات. فهؤلاء و أولئك  سواء تجمعهم التركيبة  النفسية الجنجويدية  المجرمة وإن اختلفت مظاهرهم  ، تلك الشخصية  الممتلئة  حقداً و كراهية  على السودان و اهله ، و على كل شيىء جميل ، فهم يفعلون كل قبيح  مع ذلك يزعمون أنهم يقدمون الخير للناس فهؤلاء مثلهم  كمن ضل سعيهم في  الحياة  الدنيا  وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً . فمن فسدت فطرته يتساوى عنده الحق و الباطل و الحسن  و القبيخ و المنكر  و المعروف.