بعد عام و نصف من القتال .. ماذا تريد ميليشيا الدعم السريع؟
منذ اندلاع الحرب بين القوات المسلحة السودانية وميليشيا الدعم السريع، شنت الأخيرة حملة طاحنة على مختلف الجبهات، ساعيةً لتحقيق هيمنة عسكرية على البلاد. لكنها، وبعد مرور عام ونصف من المعارك الدموية، تبدو الآن وكأنها تواجه فشلاً واضحاً. فماذا تريد هذه الميليشيا بعد هذه المدة الطويلة من القتال؟ ولماذا اختارت مسار إذلال الشعب السوداني وتدمير بنيته التحتية بعد فشل خطتها الأساسية؟
أهداف الدعم السريع بعد فشل السيطرة على السودان
بالعودة إلى بداية الأحداث، يبدو أن هدف الدعم السريع كان يتمثل في الاستيلاء الكامل على مقاليد الحكم في السودان. ورغم محاولاتها العنيفة، فشلت هذه الميليشيا في إحكام قبضتها على الدولة. وعندما أصبح واضحاً أن السيطرة على السودان باتت بعيدة المنال، لجأت إلى خطة بديلة تمثلت في إذلال الشعب السوداني وتدمير بنيته التحتية. يظهر هذا الأسلوب كنوع من العقاب للشعب، الذي لم يكن غالبيته يوماً في صف الدعم السريع أو داعماً لمشروعها، باستثناء القلة التي رمت بنفسها في أحضان العمالة والارتزاق. إذلال الشعب السوداني: حقد موجه أم سياسة عقاب؟ من المؤلم التساؤل: هل يستحق الشعب السوداني هذا الحقد من ميليشيا الدعم السريع؟ فقد كان الشعب السوداني قد رحّب بالمجموعات العربية في فترات سابقة، عندما قررت دولة تشاد طردهم خلال حكم الرئيس الراحل حسين حبري. احتضن السودان تلك الجماعات وقدم لها ملاذاً آمناً، ليجد نفسه اليوم مستهدفاً من أبناء تلك الجماعات في عملية تهدف لإذلاله وسلب كرامته الوطنية. وهذا يثير تساؤلاً كبيراً حول دوافع الدعم السريع: هل هي حقاً قوى محلية لها قضية، أم أنها تنفذ أجندات إقليمية تسعى إلى تدمير السودان؟
تدمير البنية التحتية: خدمة لأجندات خارجية أم انتصار وهمي؟ من الواضح أن تدمير البنية التحتية للسودان لا يخدم أي مصلحة وطنية، بل يُعد خطوة في اتجاه تدمير البلاد وتحقيق أضرار اقتصادية ومجتمعية جسيمة. هل يمكن اعتبار تدمير المدارس والمستشفيات والمرافق العامة انتصاراً؟ بالتأكيد لا؛ بل هو على العكس، محاولة لإضعاف السودان. ويبدو أن الدعم السريع يمارس هذا النهج نيابة عن جهات خارجية لها مصلحة في إبقاء البلاد ضعيفة ومنهكة. إن الاستمرار في القتال من دون هدف واضح يعكس عمق الأزمة الأخلاقية التي تعاني منها هذه الميليشيا، ويطرح تساؤلاً عن مدى استقلالية قرارها، خاصةً بعد اختفاء قائدها ونائبه وهلاك عدد كبير من قياداتها الميدانية.
الهزائم المتتالية وإصرار الدعم السريع على القتال
الهزائم التي تلقتها ميليشيا الدعم السريع على جبهات عديدة خلال الفترات الماضية لم تردعها عن الاستمرار في القتال، مما يدفع للتساؤل عن سر هذا الإصرار. فهل هذا الإصرار ينبع من اعتقادها بالسيطرة في هذه الحرب، أم هو انعكاس لافتقارها لإرادة مستقلة؟ الإجابة تميل نحو الفرضية الأخيرة، إذ لا يمكن التغاضي عن دور الإمارات في دعم هذه الميليشيا وتحفيزها على القتال، حتى وإن كان الثمن أرواح أبناء القبائل التي تشكل حاضنة اجتماعية للدعم السريع. هذا الاستنزاف المستمر في أرواح الشباب من تلك القبائل التي تمثل الحواضن الاجتماعية لا يمكن وصفه إلا بالإبادة الذاتية، وكأن هذه الميليشيا تخوض حرباً ضد نفسها، مبيدةً شبابها قبل استهدافها للمواطن السوداني.
لماذا لا تستسلم ميليشيا الدعم السريع؟
يقول صوت العقل والمنطق بأن الوقت قد حان كي تعلن ميليشيا الدعم السريع استسلامها، لتجنب المزيد من الضحايا وإيقاف الدمار، خاصةً في ظل فقدانها للكثير من قياداتها وشبابها. ورغم ذلك، نجدها تصر على مواصلة الحرب، متحديةً الحقيقة الواضحة بأن هذا القتال لم يعد ذا جدوى. ربما يجب أن تتعلم من مجموعة «كيكل» التي فضلت الاستسلام لتجنب التضحية بأرواح جنودها دون جدوى. لكن يبدو أن الدعم السريع لا يستطيع اتخاذ قرار الاستسلام بمفرده، وربما ينتظر إشارة من «الكفيل الإماراتي» الذي يحرك خيوط اللعبة علانيةً. مصير قوى الحرية والتغيير (قحت): الحليف السياسي للدعم السريع مع نهاية وشيكة تلوح في الأفق لميليشيا الدعم السريع، يبدو أن حليفها السياسي «قحت» بات في موقف حرج. لقد اختارت «قحت» الرهان على دعم هذه الميليشيا، آملةً في تحقيق مصالح سياسية، لكنها الآن تواجه تراجعاً كبيراً في مصداقيتها وشعبيتها. لقد أصبح من الواضح أن الشعب السوداني ينظر إلى هذه التحالفات بازدراء، لكونها تخلت عن المبادئ الوطنية لتحقيق مكاسب قصيرة النظر. ومع ضعف الدعم السريع واستمرار الهزائم، يلوح في الأفق احتمال انسحاب «قحت» من المشهد، أو على الأقل إقصاؤها من أي فرصة للمشاركة السياسية مستقبلاً. من الواضح أن ميليشيا الدعم السريع تعيش مرحلة من التخبط والعشوائية؛ فلم تعد لديها استراتيجية واضحة بعد فشلها في تحقيق هدفها الرئيسي. تدمير البنية التحتية والانتقام من الشعب السوداني لن يحققا لها نصراً، بل سيعجّلان بنهايتها ويزيدان من الكراهية الشعبية لها. إن الإصرار على مواصلة القتال رغم الهزائم المتتالية يظهر أن الدعم السريع لا يملك إرادته، وأنه أداة لتنفيذ أجندات خارجية تهدف إلى تدمير السودان، لكن هيهات، ففي الشعب السوداني وجيشه عين لا تطرف .