على مر التاريخ، شهد السودان تلاحمًا فريدًا بين شعبه وجيشه، وهو تلاحم يمتد جذوره إلى منشأ الدولة السودانية بل منذ عهد الممالك و السلطنات، فقد كان الشعب هو الوريد الذي يغذى الجيش بالدماء الحارة عبر الاجيال على أن يقوم الجيش بدوره المحوري في حماية البلاد والدفاع عن سيادتها. يعود هذا التلاحم إلى أسباب تاريخية وثقافية واجتماعية متعددة جعلت من الجيش والشعب وحدة واحدة في مواجهة كل ما يهدد سيادة الدولة و سلامة الشعب .
منذ زمن بعيد، كان الجيش السوداني ليس فقط قوة عسكرية، بل مؤسسة وطنية تعكس هوية الشعب السوداني وتطلعاته. في كل الحِقب فكان الجيش السوداني جزءًا لا يتجزأ من نسيج المجتمع ، يشاركه آماله و آلامه و ينفعل لانفعالاته و يتصدر قضاياه و يصد عنه كل ما يهدد أمنه و سلامته مما عزز مكانة الجيش في قلوب الشعب السوداني حتى أصبحت مقولة جيش واحد شعب واقعاً ملموساً يظهر في التفاعل بين الشعب و جيشه خاصة في الملمات و المواقف الصعبة .
الثقة المتبادلة هي أساس التلاحم بين الشعب والجيش السوداني و هي ليست وليدة اللحظة إنما ضاربة الجذور فى عمق التاريخ. فالشعب يرى في الجيش أنه الحارس الأمين لأرضه و عرضه وسيادته، بينما يعتبر الجيش الشعب مصدر قوته و سنده الأساسي في اوقات الشدة و الأزمات . ينظر الشعب السوداني إلى الجيش باعتباره الحامي الأول للوطن، في وقت تضاءل فيه دور الكيانات السياسية و المجتمعية مما يعزز مشاعر الفخر والاعتزاز بالجيش كما أن الاستجابة للأزمات خاصة في الأوقات الصعبة، مثل الكوارث الطبيعية أو الأزمات السياسية، ووقوف الجيش مع الشعب بل تقدمه للصفوف دائمًا لمساعدة الشعب وتقديم الدعم له ، زاد من ارتباط الشعب بجيشه مما يجعله يحظى بدعم واسع من مختلف فئات المجتمع.
من جهة أخرى، يدرك الجيش السوداني الأدوار المتعاظمة التي يقوم بها الشعب في سبيل دعمه ومساندته، مما يدفعه لتبادل الشعب الوفاء بوفاء مثله و مقابلة عطاءه بعطاء أوفر.
فالجيش السودانى يدرك أن قوته لا تأتي فقط من تسليحه وتدريبه، بل أيضًا من دعم الشعب له. ذلك الدعم الشعبي الذى يمنحه الشرعية والقوة لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية. كيف لا و الجيش جزء لا يتجزأ من المجتمع السوداني، فأفراده هم أبناء هذا الشعب خرجوا من صلبه ، ترعرعوا في حضنه ويشتركون معه الماضى و الحاضر و المآل و في المصير .
ثمرة هذا التلاحم تظهر بوضوح في الممارسات الجماعية للشعب السودانى في عاداته و في تقاليده و في أعرافه ، إعمالنا سواء تنفذ عن طريق النفير وهو عمل جماعى طوعى لتقديم العون و المساعدة الجماعية كما أن مشكلاتنا تحل عن طريق الجودية وهو طريقة ممارسة أهلية جماعية لتسوية النزاعات حتى وجباتنا نتناولها في جماعات في (الضرا) و جاءت (التكية) لتعبر عن الإنفاق الجماعى لتوفير لقمة العيش لمن لا قدرة له . و هنالك (الفزع) وهو هبّة جماعية لنصرة المظلوم و الضعيف الذى لا يستطيع استرداد حقه المسلوب كل هذه الممارسات الجماعية عززت من قدرة السودان على مواجهة التحديات بصورة جماعية و الذى انعكس أثره في شكل تلاحم الشعب مع جيشه خاصة خلال فترات الأزمات و الحروب والصراعات الداخلية والخارجية، و كان هذا التلاحم سببًا رئيسيًا في صمود البلاد واستمرارها في مواجهة التحديات. كما أن هذا التلاحم يساعد في تعزيز الوحدة الوطنية والاستقرار الاجتماعي، مما يساهم في بناء مجتمع متماسك وقوي.
خلال معركة الكرامة تنوعت أشكال تلاحم الشعب مع الجيش السوداني و الذى ظهر بشكل أوضح في الاستنفار و المقاومة الشعبية التي انتظمت كافة أرجاء البلاد و تجسد فى كتائب المستنفرين التي ظلت تقاتل جنباً إلى جنب و في خندق واحد مع القوات المسلحة منذ الأيام الأولى لمعركة الكرامة . فضلا عن مشاركة المواطنون في دعم الجيش من خلال التبرعات والمساهمات المادية، وكذلك من خلال تنظيم حملات الدعم المعنوي و الإسناد المدنى لإعادة تأهيل المرافق المدنية التي تضررت بسبب الحرب مما يعزز من الروابط بين الشعب وجيشه. كما أن مشاركة الشعب للجيش في فعاليات عيد الجيش من كل
إن تلاحم الشعب مع الجيش السوداني يعكس قوة الوحدة الوطنية التي تمثل حجر الزاوية في استقرار وأمن البلاد . هذا التلاحم المتجذر في التاريخ السوداني يبقى دليلاً على قوة الإرادة المشتركة والتفاني في خدمة الوطن و الذى يتجسد دائماً في مقولة جيش واحد شعب واحد.