في سياق الأزمة التي يعيشها السودان، يظهر مستشارو مليشيا الدعم السريع كمثال واضح للكذب والتضليل المتعمد. إنهم لا يكذبون فقط على الشعب السوداني، بل يكذبون أيضًا على أنفسهم. يكاد الأمر يبدو وكأنهم مقتنعون بأكاذيبهم هذه أو أنهم يتجاهلون تمامًا واقع الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها و لازالت ترتكبها هذه المليشيا المتمردة. لكن مهما كانت محاولاتهم في التلاعب بالحقائق، فإن الحقيقة تبقى واضحة لكل من يريد أن يسمع و يبصر.
المثير للدهشة هو جرأتهم الفائقة في الكذب ، عادةً ما يكون الكاذب مترددًا أو على الأقل يحاول إخفاء كذبه بذكاء، لكن مستشاري الدعم السريع يتصرفون وكأنهم في مهمة إقناع ليس فقط الشعب السوداني بل حتى أنفسهم ، بواقع مغاير للواقع الفعلي . يصدرون البيانات، يعقدون المؤتمرات الصحفية، ويطلقون عبر الفضائيات تصريحات بعيدة كل البعد عن الواقع ، وكأنهم يعيشون في كوكب آخر كوكبنا هذا و يتحدثون عن أزمة ليست هي أزمة بلادنا هذه إنما هي أزمة أخرى أو أنهم يعيشون معنا في كوكبنا هذا لكنهم غير معنيين بحجم الكارثة التي تسببوا فيها، منتهكين بذلك كل المبادئ الإنسانية والأخلاقية.
ما يفاقم الأمر هو أنهم لا يكتفون بالكذب على الشعب السودانى الذى أذاقته هذه المليشيا الأمرين ، بل يسعون أيضًا إلى تضليل المجتمع الدولى مع إنهم يدركون أن ما تسببوا فيها من جرائم وانتهاكات موثقة بعدسات منسوبى المليشيا أنفسهم ، وأن الأدلة متوفرة بشكل لا يقبل الشك ، ومع ذلك ، يتصرفون وكأن الحقيقة مجرد وجهة نظر يمكن التلاعب بها ، هم بذلك يحاولون إقناع الناس بأن ما يحدث في السودان ليس سوى حرب عبثية بين جنرالين من أجل كرسي الحكم ! و أن مليشيا الدعم السريع لا تقتل الأبرياء إنما تقاتل من أجل استرجاع الديمقراطية و الحكم المدني !!.
ومن هذا المنطلق، يبرز سؤال ملحّ: هل يمكن لهؤلاء المستشارين خداع العالم بأسره؟ فعلى الرغم من أنهم يسعون جاهدين لتسويق رواياتهم الكاذبة، إلا أن الأدلة ضد المليشيا تزداد يومًا بعد يوم . فانتهاكات قوات الدعم السريع موثقة ، ليس فقط من قبل المنظمات الحقوقية الدولية و لا بواسطة الحكومة السودانية و لا من قِبل المواطنين السودانيين بل وثقوها بأنفسهم و نشروها عبر الوسائط هم بأنفسهم ، وشهد عليها القاصي والداني. وبالتالي، فإن هذه الأكاذيب لا يمكن أن تصمد أمام الحقائق المروعة الموثَّقة يومًا بعد يوم.
مهما حاول هؤلاء المستشارين تجميل وجه الدعم السريع، فإن الكذب لا يستطيع إخفاء قبحه. فالانتهاكات المرتكبة ضد المدنيين، التدمير العشوائي، والقتل الممنهج لا يمكن إخفاؤها بمجرد تصريحات إعلامية كاذبة . هذه الحقائق ظاهرة للعيان، وكل محاولاتهم لإخفائها تبدو عبثية في مواجهة الأدلة القاطعة. وكما يقول المثل، لا يستطيع أحد إخفاء الشمس بغربال، وهذه هي الحالة مع مستشاري الدعم السريع.
نتيجة لهذا الكذب المتواصل، فإن هؤلاء المستشارين فقدوا مصداقيتهم بالكامل بل أصبحوا أضحوكة في الفضائيات و وسائل التواصل الاجتماعي ، فالشعب السوداني لم يعد يثق في أي كلمة تصدر عنهم كما أنهم أصبحوا محل سخرية لدى المجتمع الدولى بأكاذيبهم هذه . فمع كل كذبة جديدة ، تتعمق فجوة عدم الثقة بينهم وبين الشعب السودانى و تزداد الهوة بينهم و الحقيقة المجردة . لذا تُقابل تصريحاتهم هذه ليس بالشك وحده بل بالسخرية و الاستهزاء لأنهم أناس ينكرون الحقائق الواضحة و يبذلون قصارى جهدهم لاقناع العالم كله أن ما يرددونها ما أكاذيب هى الحقيقة و لا حقيقة وراءها.
والأمر لا يتوقف عند الشعب السوداني فقط، بل الأكاذيب المستمرة أدت إلى تآكل مصداقية مستشاري مليشيا الدعم السريع على الساحة الدولية أيضًا فالمنظمات الحقوقية و الإنسانية و الإعلام الدولي ، وحتى الحكومات الأجنبية لم تعد تأخذ تصريحاتهم مأخذ الجد سوى أولئك الذين يحركون خيوط المؤامرة على بلادنا و أولئك الرعاة الذين يدعمون هذه المليشيا المتمردة رغم أن العالم كله بات يدرك أن هؤلاء المستشارين يحاول تشويه الحقائق ، وأن قوات الدعم السريع هي التي قامت بتدمير السودان .
أخيرًا، يبقى التساؤل حول ما الذي يجبر القنوات الفضائية على استضافة هؤلاء المستشارين رغم وضوح كذبهم . ربما يعود ذلك إلى التزام القنوات بمبدأ الحياد الإعلامي الذي تدعيه و من ثَم إعطاء جميع الأطراف الفرصة لعرض وجهات نظرهم. لكن حقيقة الأمر أن هذه القنوات هي جزء من الأزمة بل هي مسخّرة لدعم المليشيا المتمردة. لكن مهما كانت الأسباب، فإن الحقيقة التي يعرفها الجميع هي أن مستشاري الدعم السريع يكذبون كما يتنفسون ، وأن استضافتهم في الفضائيات و كذا ما ينشرونه في الوسائط ما هو إلا حملات ممنهجة بغرض تزيين وجه المليشيا القبيح و التستر على جرائمها التي لم يشهد العالم لها مثيل .