مشاركة
34 مقال الخميس منذ شهر صحيفة كرري

ساعة إدارة داخلية

بقلم : عقيد الزاهر ميرغني الزاهر

عقارب الساعة دائماً تدور من الشمال إلى اليمين، ولا تتوقف مهما كانت الظروف، وهي مثل قطار التاريخ الذي لا يتوقف في المحطات؛ فالذين يتساقطون تدوسهم العجلات. أما في الإدارة الداخلية، فعقارب الساعة تدور من اليمين إلى الشمال وتمر ببطء شديد. الزمن هو شريان الحياة الذي يجري في العروق، فما الحياة في حقيقتها إلا زمن، والجميع يعلم أن الناس تتغير وليس الزمن. عملية تقدم الأحداث تستمر بشكل متواصل إلى أجل غير مسمى، بدءً من الماضي مروراً بالحاضر وصولاً إلى المستقبل. الزمن ليس له تعريف واضح وصريح، لكنه يمتلك تأثيرات تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص. فالساعة هي ساعة بها ستين دقيقة، لكن الساعة البيولوجية للإنسان تختلف من شخص لآخر.

شدَا الفنان إبراهيم عوض وتغنّى في الزمن الجميل الذي مضى: «يا زمن وقف شوية وأهدِ لي لحظات هنية... بعدها شيل باقي عمري وشيل عيني... يا زمن ما تبقى قاسي ارحم بحالي.. شيل شبابي وشيل عينيَّ». أما الزمن في الإدارة الداخلية فيختلف عن غيره؛ فساعة الإدارة الداخلية طويلة، كما ذكرت سابقاً. ساعة المحب وهو بالقرب من حبيبه تختلف عن ساعة المستجد في (طابور ذنب) في الإدارة الداخلية، حيث يتعلم الجندي الضبط والربط والانضباط. فالانضباط هو مجموعة من القواعد العسكرية للحفاظ على النظام بين الجنود، وتنسيق الاتجاهات والمهارات بشكل أسرع، أو اتباع نظام أخلاقي أو سلوكي. أما الضبط والربط فهو تنفيذ الأوامر بروح قوية واقتناع، بمعنى آخر: الثقة التامة بين الجنود وتطبيق الأوامر الصادرة من جهة عليا دون تردد. ويتم تلقين الضبط والربط بالاستماع للأقدم أثناء حديثه دون مقاطعته مهما طال حديثه، فهو المتحدث الوحيد، وعلى الآخرين الاستماع وتنفيذ أوامره.

مرات الحديث يكون بثلاث كلمات للمستجدين من الساعة التاسعة مساء حتى الصباح، ويتضمن ما يلي: «نعمل انصراف و بكره الصحيان بدري وأهم شيء النظافة والتجريف». أما أصعب إدارة داخلية فهي عندما يتحدث (النوبتجي) عن مخزن فيه ذرة دخلت نملة وأخذت حبة و خرجت ، حتى يؤذن الآذان لصلاة الصبح، والنمل لا يتوقف عن الحركة، والذرة لا تنتهي، والمستجدون وقوفاً أمام الكلمة التي حيّرت (المَلَكية) أثناء تلقيهم الجرعة العسكرية في معسكرات الدفاع الشعبي والخدمة الوطنية : «أهم خمسة أشياء في العسكرية هي ثلاثة: الضبط والربط»، وشرحها يحتاج إلى مجلدات.

أما أطرف ما سمعته في الإدارة الداخلية، فهو عندما رفع (مُحنّد) يده في أحد المعسكرات المفتوحة قائلاً: «يا فندم، أنا عندي ماجستير، لا يمكن أن أقف في الطابور»، فرد عليه المعلم: «عندك ماجستير، عندك بلهارسيا، عندك ملاريا، لازم تقف في الطابور يعني تقف».  إن أغلى ما يتعلمه الجندي من الإدارة الداخلية هو الصبر وقوة التحمل.