الشباب هم درع الأمة في المجتمعات، لكن الشباب السوداني في هذه المرحلة يتجاوز هذا الوصف؛ فهو يقف في قلب التحولات الحاسمة التي تعصف بالوطن، ليس كرؤية مستقبلية فقط، بل كواقعٍ ملموس يقوم فيه الشباب بمهام جليلة تسعى إلى التغيير الإيجابي، في وقتٍ يعاني فيه الوطن من تحديات كبيرة. وعلى الرغم من انحياز بعض الشباب إلى صف المليشيا المتمردة، إلا أن الغالبية منهم تتجه أنظارهم إلى إعادة بناء الوطن والدفاع عن أمنه واستقراره.
لقد شهدنا في الآونة الأخيرة تحولًا جليًا في فكر الشباب السوداني، الذي كان غارقًا في قضايا الثورة المصطنعة وشعاراتها الزائفة، ولكنه اتجه نحو وعي عميق بالقضايا التي تسهم في بناء الوطن وتنميته. فشباب اليوم أدركوا أن الخراب الذي صاحب ثورتهم المشؤومة لا يصنع مستقبلًا، فاختاروا التعمير والبناء بدلًا من التخريب والهدم، وأصبحوا جزءًا لا يتجزأ من نسيج الوطن وحمايته. أدركوا أن القوات المسلحة التي كانوا يناصبونها العداء هي رمز للصمود والأمان، وبدلًا من المعاداة والصراع، يتكاتف الشباب اليوم معها، ويدركون أن الجيش ليس مجرد كيانٍ عسكري، بل هو درع الأمة وحامي أمنها.
ولم يقف دور الشباب عند مجرد الالتفاف حول الجيش، بل تطور إلى الإسهام العملي المباشر من خلال الانتظام في معسكرات النفرة الشعبية، تلك التي تهدف إلى دعم القوات المسلحة على المستويات كافة، المادي والمعنوي. لقد تحول الشباب من متفرجين إلى مشاركين، يقفون على الخطوط الأمامية، يقدمون الجهد والعرق جنبًا إلى جنب مع قواتهم المسلحة وهي تؤدي واجبها في حماية الأرض والعرض.
وعلى مستوى أعمق، امتدت هذه الروح الوطنية إلى إطلاق الشباب لمبادرات مجتمعية مختلفة ذات أهداف بنّاءة، كإعادة تأهيل المرافق الحيوية التي دمرتها مليشيات الدعم السريع المتمردة. المستشفيات، المدارس، البنى التحتية - جميعها تجد شبابًا طموحين يتسابقون لإعادة الحياة إليها، وإعادة الأمل لأهالي المناطق المتضررة التي تأثرت بحرب المليشيا الغاشمة واستهدافها للمرافق الخدمية. يتم كل هذا في بيئة تتسم بشح الموارد وقلة الإمكانات وكثرة التحديات، إلا أن إصرار الشباب السوداني على النهوض ببلاده يبدد كل هذه العقبات. ويتضح ذلك جليًا في إعادة الحياة إلى العديد من المناطق بعد تطهيرها من دنس المليشيا.
إن دور الشباب لم يتوقف عند الإعمار والتأهيل، بل امتد إلى المبادرات الصحية؛ فقد انتظمت القوافل الطبية المتنقلة التي تم تسييرها إلى العديد من المناطق التي دخلتها القوات المسلحة بالتنسيق مع الجهات المعنية، لتوفير الخدمة الطبية والعلاجية، ومبادرات إصحاح البيئة، وتوفير الأدوية والعناية بالمرضى العاجزين عن الحصول على تلك الخدمات بسبب المليشيا. كما نلاحظ بوضوح أدوار الشباب في دعم التكايا التي تقدم الوجبات المجانية والمساعدات الأخرى للمحتاجين في مراكز الإيواء في هذا الوقت العصيب. ومن المبادرات الملموسة ذات الأثر الواضح، تنظيم الشباب برامج وعقد دورات تدريبية في المجالات المختلفة لتطوير الذات ورفع قدرات الشباب، وإعدادهم للمساهمة الفعالة في إعادة إعمار ما دمرته الحرب مستقبلًا وتأهيل أنفسهم ليكونوا جزءًا من بناء وطن مستقر وحياة طبيعية، معتمدين على أنفسهم، غير منتظرين للمعونات والمساعدات سوى الجهد الشعبي والمبادرات المجتمعية.
إن هذا الشباب السوداني الطموح، بتفانيه وبذله المستمر، يقودنا إلى مستقبل مشرق بإذن الله، ويعكس صورة ملهمة لقوة العزيمة التي لا تعرف المستحيل. ففي كل ركن من أركان البلاد، نجد شبابًا ينشطون في مبادرات ومشاريع وأعمال تطوعية، يُحوِّلون كل نقطة ضعف إلى نقطة قوة وقاعدة انطلاق، يسهمون في جعل بلدهم مكانًا أفضل للأجيال القادمة بإذن الله. وهذه واحدة من إيجابيات هذه الحرب؛ إذ وعي الشباب بدورهم فتحولوا من معاول هدم إلى أدوات بناء وتعمير.
إذًا، يمكننا القول بثقة: إن الشباب السوداني اليوم ليس ذلك الشباب المغرر به، المغيب فكريًا، بل هو فخر الحاضر وأمل المستقبل، وهو قوة فاعلة تصنع التغيير، وطاقة لا حدود لها، وإصرار لا ينكسر. هؤلاء هم درع الوطن الحقيقي، وهم الجيل الذي سيبني السودان ويعيده إلى مكانته بين الأمم بإذن الله